زمن اللهو والبراءة وجانب من طفولة وبيئة الكاتبة العملاقة الدكتورة /أميمة منير جادو

يوما ما...
هكذا كنا....
في زمن اللهو والبراءة
في بيت عائلتنا الكبير...في ١٣ ش الملاح...
بمدينتنا العريقة بمحافظة المنوفية...منوف..
مسقط راسي...ومرتع صباي...وطفولتي...والعاب الشارع....مع بنات الجيران...واللمة حول الطبلية والمنضدة....
وحين تنقطع الكهرباء...ولم ننته بعد من واجباتنا المدرسية...ومذاكراتنا هي اهم ما يشغلنا....تغسل أمي رحمها الله دورق لمبة الكيروسين الزجاجي..وتلمعه...يصير كريستالة...تتراقص بداخلها فتيلته الشريطية...بعدما عمرته بالكيروسين...وضبطه لها أبي بقص اطراف الشريط الكتاني ومساويه بحيث لا يهبب ...يظل يجري عليه تجاربه التشذيبية حتى يعليه ويخفضه دونما تهبيب ...تضع امي مصباح الكيروسين ولمبة نمرة عشرة الكبيرة ذات الضوء الاقوى فوق منضدة بجوارنا تسمى ( طقطوقة) عليها رخامة هندي اخضر...من بقايا اثريات جدتي...ولا تضعها على الطبلية...لانني كثيرا ما كنت اذاكر واعمل الواجب حتى انام على الكراسة ...خافت امي قالت لو لم اكن بجوارك..كانت شبت النار ومسكت برؤوسنا...تلاحظنا امي بجوارنا..تمسك بإبرة وتطرز بالخرز ماشاء لها من ملاءات ومحارم...او تغزل بالكروشيه وتراقبنا...انا واخوتي كل في حاله ودروسه...ممكن يسألوني..لأني الكبيرة...والريسة معا...اقودهم واعلمهم..واربيهم مع والداي...اعلمهم كيف الخط يكون جميلا..كيف الهاء المربوطة تكون اجمل...اتفنن في وضع النقاط فوق الحروف...حتى ننتهي من الواجب والحفظ والمذاكرة..برضاء عن النفس...
ولا تكتفي أمي بضوء اللمبة الجاز...انها تستفيد من زجاجتها الملساء..وحرارتها معا...فهي تستخدمها كمكواة لشرائطنا المدرسية...تلف عليها شرائطنا الحمراء لمدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية...والبيضاء لمدرسة الاسقفية ( ميس ماري) الشهيرة الخاصة بالمصروفات..كنت بالاخيرة ثم الحق اخوتي بالاولى...ثم صرنا معا لنحمي بعضنا في مدرسة واحدة...
تلف امي الشرائط الساتان.  ..على اللمبة حتى تفردها...وتضعها مفرودة جميلة لا معة في ضفائرنا خلف ظهورنا...
وتستخدم امي حرارة اللمبة  ايضا في كي مناديلنا الصغيرة كايادينا...تطويها من وترها لمثلث...تراعي ظهور التطريز على حروفها...وتقول لنا لتعدنا لصباح جديد...
تصبحوا على خير..
الجوارب نظيفة....الاحذية ملمعة ....الشرائط والمناديل مكوية....لا توسخوا انفسكم....حافظوا على نظافتكم...كي يظل شكلكم نظاف وحلوين....
امي كانت تغسل لنا جواربنا ومناديلنا رغم عندنا ام محمد الغسالة...ع الطشت قبل اختراع الغسالات الكهربية...لكن امي تغلي مناديلنا وتعقمها وتكويها بالمكواة الحديد او على زجاجة اللمبة الكريستالة...امي تقول...هناك ملابس عورة لا يطلع عليها الا انا....حتى لا يتكلم احد علينا مثل الغسالة...
لانها تدخل بيوت غيرنا...
امي تنقع الغسيل قبلها بليلة وتشطفه شطفه اولى قبل ان تضعه في الطشت النحاسي الواسع لام محمد الغسالة...
امي من امهات الزمن الجميل...لم يكن معها غير شهادة الاعدادية...ومعها شهادات الجودة والايزو المعتمد في التربية...
رحمك الله يا غالية...
ليت بنات اليوم يعرفون ما معنى زوجة وأم ....
ليتهم يعلمون كيف الطبلية واللمبة الجاز خرجت اساتذة جامعات.
ليتهم يعرفون انهم يعيشون الرفاهية بالانترنت في جيوبهم ومواصلاتهم.

من روايتي ( ١٣ ش الملاح )

تعليقات