مظلومية الكلب ....مقال بقلم الكاتب فهد الخليوي


مظلومية الكلب 
جميعنا نتذكر حادثة رمي منتظر الزيدي حذائه في وجه الرئيس جورج بوش عام ٢٠٠٨ متبعا رميته الشهيرة عبارة “ياكلب ” على سبيل الذم والمسبة ، نالت هذه الحادثة شهرة واسعة وتناقلتها وسائل الاعلام لكن أكثر ماأثار استغراب الجمهور الغربي هو استخدام لفظ الكلب للسب ! ، فلماذا الشعوب الشرقية ترى الكلب مسبة وعارا ؟ . 
إن هذا التساؤل الغربي إذا أخضعناه للعقل والمنطق فهو تساؤل وجيه فما النقص الذي في الكلب ليكون مسبة وعارا ؟ . 
إن الحقيقة الصادمة هي أننا إذا فحصنا سلوك الكلب وطباعه لانرى فيها نقصا بل العكس هو الصحيح فالكلب يتصف بصفات راقية لاتوجد عند غيره من الحيوانات بل ولا حتى البشر كصفة الوفاء ! وهذا ماجعل الأديب الإخباري ابن المرزبان يؤلف في مطلع القرن الرابع الهجري كتابا أسماه ” فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب “! يشكو في هذا الكتاب من نكران وخيانة البشر ويذكر الكثير من قصص وفاء الكلاب التي وصل ببعضها الى تضحية الكلب بحياته من اجل صاحبه .
إن الإعجاب بالكلاب والإشادة بها ليس مقصورا على ابن المرزبان بل هي ثقافة عربية قديمة الى درجة تسميهم باسم الكلب ومشتقاته ككليب وكلاب فمن أشهر من تسمى بكلب كلب بن وبرة الذي تنتمي إليه قبيلة كلب في بادية الشام التي قامت على أكتاف أبنائها دولة الخلافة الأموية ومن أشهر من انتسب إليها الصحابي دحية بن خليفة الكلبي الذي كان ينزل جبريل على صورته ، أما الزعيم العربي وائل أخو مهلهل صاحب حرب البسوس فقد غلب عليه لقب “كليب” حتى طغى على اسمه الحقيقي ، أما أشهر من تسمى بكلاب الجد الخامس للنبي (ص) “كلاب بن مرة” ، بل إن الجاحظ حينما عقد في كتابه مناظرة بين الكلب والديك إنما كان يرمز للكلب بالعرب وللديك بالعجم خاصة الفرس فلو كان الكلب محتقرا عند العرب لما جعله الجاحظ رمزا لهم . 
إن كل هذه دلائل على أن احتقار الكلب أمر مستحدث لم تعرفه العرب في جاهليتها ولا صدر إسلامها وإنما هي ثقافة تسربت إليهم من الشعوب الأعجمية المجاورة لهم وخاصة الفرس بعد إسلام هذه الشعوب وتعرب بعضها ، ويظهر هذا بشكل أوضح في مدح الشاعر علي بن الجهم للخليفة العباسي المتوكل ٢٣٢-٢٤٧ه فقد أتى ابن الجهم من بادية الجزيرة العربية مشبعا بثقافة العرب إلى بغداد التي غلبت عليها الثقافة الفارسية فمدح الخليفة المتوكل بقصيدة يقول فيها : 
أنت كالكب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب 
فاشمأز الخليفة وجلساؤه من شعره ، هذه القصة وإن كان الصواب عدم صحتها إلا أن مؤلفها استقاها من الواقع المعاش ولذلك فإن من انتقد صحة القصة انتقدها لأسباب أخرى ليس من ضمنهاأن العرب لايمدحون الآخر بتشبيهه بالكلب . 
وإذا رجعنا إلى الشعر العربي في فترة الجاهلية والفترة الأموية لانجد فيه هجاء الآخرين بتشبيههم بالكلب وإنما نجده في الشعر العباسي فما بعد حيث دخل الشعراء الموالي الشعوبيون بقوة في مجال الأدب وانعكست ثقافتهم على شعرهم فنجد حماد عجرد الشعوبي يهجو بشارا فيقول : 
يابن برد اخسأ إليك فمثل ال كلب في الناس أنت لا الإنسان 
أما الشعوبي الآخر بشار بن برد فقد أكثر من هجاء العرب بذكر قرب الكلب منهم في أمور حياتهم فيقول في إحدى قصائده يهجو عربيا: 
وكنت إذا ظمئت إلى قراح شركت الكلب في ولغ الإطار 
أما إذا تركنا الأدب ونظرنا إلى الفقه فنجد أن كثيرا من الأحكام الصادرة ضد الكلب مختلف فيها ، فرغم أننا تعلمنا حسب مذهبنا الحنبلي أن الكلب نجس جسما ولعاباإلا أنه عند المالكية والإباضية هو طاهربجلده وشعره بل وحتى لعابه! مستدلين بالآية ( يسألونك ماذاأحل لهم قل أحل لكم الطيبات وماعلمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروااسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) ووجه الدلالة لو كان نجسا لأفسد ماصاده بفمه ولما ورد الشرع بإباحته ، وأما رواية (لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) فقد حملها بعض العلماء على ملائكة الوحي فقط فيكون النهي خاصا ببيوت الأنبياء. 
وليت الأمر اقتصر على ظلم الكلب وذمه بل الأدهى والأمر أنه في ثقافتنا المعاصرة في نفس الوقت الذي يسب فيه الكلب يمدح فيه الذئب ! فقال أحدالحكماء متعجبا: ” يمدحون الذئب وهو يعتدي عليهم ويسبون الكلب وهو يحميهم”
.............................
تحياتنا للكاتب/ الموقع الإعلامي لرابطة مثقفي الشعوب العربية 
مسؤول التوثيق الأستاذة هيفاء علي خدام 
الأمين العام 
د.السيد الحلواني 

تعليقات

  1. موضوع جميل وشيق وفقك الله ورعاك
    مشهور الدخيل

    ردحذف

إرسال تعليق