الرياضة النفسية وضبط الفِطرة....بقلم الكاتب السيد هاشم


 # الرياضة النفسية .. و ضبط الفِطرَة .. مُقدمة لإنتاج ثقافى وحضارى يتصف بالنقاء و التميز :

;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;


  ما يحثنى على تناول هذا الموضوع هو ذلك الشطط الذى يجنح بالكاتب لاهثاً وراء رغباته الآنية أو مدفوعاً بشهواته التى تخرجه من حيادية الباحث المطلوبة لإظهار الحقائق العلمية و الإنسانية كما هى و لا بأس أن يبين الكاتب رأيه بوضوح دون أن يمس التجريد الذى يقتضيه البحث .. و إذا سلمنا بصعوبة البحث العلمى كونه يحتاج صبراً و جهداً فإنَّ طالبَ العلم لا يهدأ إلا إذا اهتدى إلى باب علمٍ يُفْتَحُ له .. و لا يَهْنأ إلا إذا عَلمَ ما أسرع فى السعى إليه .. يقول الله عز و جل :" و ما كان المؤمنون ليَنْفروا كافةً فَلَوْلا نفَرَ من كُلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ لِّيَتَفَقَّهوا فى الدين و لينذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لَّعَلَّهم يحذرون" التوبة ١٢٢ و من الواجب التنويه إلى أن النفرة المشار إليها فى الآية قد تنتقل بنا من محدودية خصوصية التفقه فى الدين إلى رحابٍ أعم و أوسع لتشمل كل صروف العلوم الحياتية التى تعين الإنسان على عمارة النفس و الأرض .. و قد يكون طريق الراغب فى العلم أكثرَ يُسْراً إذا حمل فى قلبه صفة الإحسان فيؤتٰى العلمَ دون عناء فيقول الله عز و جل إخباراً عن نبيه يوسف عليه السلام :" و لمَّا بَلَغَ أشُدَّه آتيناه حُكْماً و عِلْماً و كذلك نَجْزى المُحسِنين " يوسف ٢٢ 

  و الإحسان هو كمال و تمام الفطرة التى خلق اللهُ الإنسانَ عليها بغير إعطابٍ و لا إفسادٍ على الحال الذى ذُكِرَ بآيةِ الذَر : "و إذ أخذ ربُّك من بَنِى آدمَ من ظُهُورِهم ذُرِّيتَهُم و أشهَدَهم على أنفسِهم ألَسْتُ بربِّكم قالوا بَلَى شهِدنا أَنْ تقولوا يَوْمَ القيامةِ إنَّا كنَّا عن هذا غافِلين " الأعراف ١٧٢ ..

  و كلمة فطرة تتسع لدلالات متباينة فقد تختلف طبيعةُ إنسان عن الآخر فى الحكم على شئ واحد فتجد أحدهما يذهب إلى تحسينه بينما يذهب الآخر إلى تقبيحه و قد يجنح أمرٌ بأحدهما ذات اليمين فى الوقت الذى يجنح بالآخر ذات الشمال و فى هذا تناقضٌ ربما يؤدى إلى تعطيل حركة الحياة لشذوذه عن إطار الإختلاف الضرورى فى تكامله لبناء الحضارات ..

** و أنا كباحثٍ مسلم يستشهدُ بالآيات القرآنية لا أجدُ غضاضةً فى الإعتراف بأن هناك الكثير من العلماء ممن ليسوا على دين الإسلام يتمتعون بفطرة سليمة أكثر من بعض علماء الدين المسلمين أنفسهم فآفة الأديان - كما يقول الإمام الغزالى - جاءت من أن أكثر رجالها لا يصلحون ابتداءً لإدراك رسالتها كما لا يصلحُ المَصْدُورُ من الكر و الفر فى ميدان القتال .. رُبَّ حامل فقه ليس بفقيه و رُبَّ حامل فقه أحوج لمن هو أفقه منه .

  ذلك يجرنا إلى سؤال كبير .. ما قيمة العدسة المكبرة فى يد إمرئ فقد بصره ؟!

  و صدق من قال : الناسُ رجلان .. رجلٌ نام فى النور و رجلٌ استيقظ فى الظلام .

  ويمكن للقارئ أن يتأكد من صدق ما أقول بقراءة تلك المقاربات التى قدمها الإمام الغزالى فى كتابه " جَدّد حياتك " مقارنةً بوصايا العالم العلامة (ديل كارنيجى) الأمريكى المتخصص فى أدب النفس و السلوك و التى ضمنها كتابه "دع القلق و ابدأ الحياة" ترجمة الأستاذ عبدالمنعم الزيادى حيث يصور الغزالى مقارباتٍ عدة بين ما جاء به كارنيجى من وصايا بعد تجارب و اختبارات سلوكية تدلل على الحِكَم التى جرت على لسان النبى العربى الكريم محمد بن عبد الله منذ قرون حيث اتفق وحى التجربة مع وحى السماء .

  و إذا كان الإنسان أحوج ما يكون إلى التنقيب فى ذاته وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من التفكك ويعيد إليها توازنها فإن ذلك البناء العقلى والعاطفى للإنسان قلما يبقى متماسكا دون أن ينفرط عقده عند الإحتكاك بصنوف الشهوات و المغريات المعنوية و المادية اللازمة لإشباع حاجاته .. و إذا كان الأمر كذلك فإن الكاتب و الفنان و الأديب و العالم أحوج من الإنسان العادى لتحقيق التوازن النفسى الذى يساعده على ألا ينفرط عقده و ينتج حضارة راقية ..

** و إذا كانت الفطرة السليمة أودعها الله فى الإنسان كضرورة للمحافظة على حياته وضرورة لسلامة حياته و ضرورة لكمال حياته و ضرورة لإستمرار حياته وحمَّلَه أمانةَ نفسه و أمانة عمارة الأرض و إصلاحها .. فكان من الواجب تأطير لوازم ضبط فطرة الإنسان أو ما يسميه علماء الفقه مدارك اليقين حيث يأتى السؤال الهام : كيف أثبت بعقلى أن ما أدركه بعقلى حقيقة ؟

مدارك اليقين :

----------

قبل أن نتعرض لمدارك اليقين فى إيجاز لابد أن نذكر أنها تسبح فى حدود لا تتخطاها و هى العتبات المطلقة للحواس الخمس فالسمع والبصر والشم واللمس والذوق لها حدود لا تستطيع إدراك ما بعدها أما المدارك فهى : 

- البديهيات و الأوليات (الأسباب)

  البعرة تدل على البعير والأثرة تدل على المسير

- المحسوسات

- المتواترات و الخبر الصادق

-التجريبيات

- الإعتراف

هذه المدارك جميعها كفيلة بضبط الفطرة التى تشذ عن سلامتها بشئ من الرياضة النفسية التى تعتمد الصبر ركيزة للإنطلاق نحو التبصر فى الذات و إعادتها إلى سلامتها التى خلقهاالله عليها فتنتج للإنسانية أثراً محموداً ..


#بقلم : السيد هاشم

..........................

تحياتنا للكاتب /الموقع الإعلامي للهيئة الدولية للمثقفين العرب في العالم

مسؤول التوثيق الشاعرة هيفاء علي خدام

الأمين العام

د.السيد الحلواني 

تعليقات